الاستعارة التشخيصية في شعر الغزل العربي (عمر بن أبي ربيعة و بشار بن برد و نزار قباني ) أنموذجاً

Abstract

تحاول هذه الدراسة الولوج إلى عالم الصورة الاستعارية التشخيصية في شعر الغزل عند (( عمر بن أبي ربيعة وبشار بن برد ونزار قباني )) من خلال رسم الصورة في خيال الشاعر ودراستها عبر الموازنة بينهم ، ووفق المعطيات الحسية والعقلية المتداولة في عصر كل واحد منهم . الصورة الاستعارية : تُعد الاستعارة أحد الأوجه البلاغية التي تمدّ النص الأدبي بقوة تخيلية مؤثرة في النفس بما تصوره في المتلقي من (( عوالم كافية ، وبما تعقدهُ بينهما من نسب مختلفة الأنواع ، ولكنها في النهاية ترتد إلى قاعدة روحية تعمل على خلق التوازن والانسجام ))( ) وتقوم الاستعارة على (( نقل الكلمة عن شيء قد وضعت لهُ إلى شيء لم توضع لهُ ))( ) والتشخيص مفهوم لغوي أوسع لم يعرفه علماء البلاغة القدماء ، لكنهم (( وعوا التشخيص في الاستعارة المكنية ، فالتشخيص توسع في مفهوم الاستعارة ))( ) وفي الغالب تدل الاستعارة على التشخيص ، ولاسيما الكنائية منها فهو يقوم على (( خلع الصفات الإنسانية على كل من المحسوسات والماديات ، أي بخلع صفات الأشياء عليها ))( ) فهي تقدم (( عالماً نابضاً بالحياة ، مشعاً بطاقات الإيماء وفيض الدلالة ، لتجسيد رؤيا فنية خلاقة لها عالمها الخاص المميز ))( ) . وتمنح الاستعارة التشخيصية اللغة الشعرية خصوصية وميزة إيحائية وتكثيفاً للمعنى ، وذلك لما لهذه الظاهرة من تأثير جمالي وبعد إيحائي جعلها بحق من أهم الانزياحات اللغوية وأخطرها في النص الأدبي ، بأنسنتها للأشياء ، وإسناد الفعل إليها ، لينتج عن ذلك صياغة خاصة لأسلوب الشعر . وهكذا بشكل التشخيص في النص انزياحاً يجسد قدرة المبدع في استخدام اللغة و(( تفجير طاقاتها وتوسيع دلالاتها – وتوليد أساليب وتراكيب جديدة لم تكن دارجة أو شائعة في الاستعمال ، فهو يعمد إلى الانتقال مما هو ممكن إلى ما هو غير ممكن من خلال استخدامه الخاص للغة ))( ) وبذلك يكون انحراف المبدع وبالنسبة لصاحبه سمة الإبداع الشخصي وبالنسبة إلى متلقيه مدخلاً إلى عالم جديد ))( ) . أخذت الاستعارة التشخيصية حيزاً واسعاً في شعر غزل الشعراء الثلاثة ، قدمت ما يمكن أن يُعدّ أسلوباً جمالياً مؤثراً وفاعلاً. وسأمضي في دراسة الموضوع على وَفْقَ التسلسل الزمني في تقديم كل ظاهرة أسلوبية للشعراء ، وبدءًا بعمر بن أبي ربيعة الذي يقول : وَلَمَّا الْتَقَيْنَـــــا بالثَّنِيَّــــــــــةِ أَوْمَضَــــــــــتْ مَخَافَـــــةَ عَيْـــــنِ الْكَاشِـــــحِ المُتَنَمِّـــــــــمِ أَشَارَتْ بِطَرْفِ الْعَيْنِ خَشْيَةَ أَهْلِهَا إِشَــــــــــارَةَ مَحْــــــــــزُونٍ وَلَــــــــــمْ تَتَكَلّــــــــــمِ فَأَيْقَنْـــتُ أَنَّ الطَّـــرْفَ قَدْ قَـــالَ مَرْحَباً وَأَهْـــلاً وَسَهْـــلاً بِالْحَبِيـــــبِ المُتَيَّـــــمِ( ) حيرة هذا اللقاء والموقف الذي مرّ به الشاعر جعله يقدَم لهُ هذه الصور ، من طباق في البيت الأول ، وتشبيه في البيت الثاني ، أما البيت الثالث ، فقد شخص فيه الشاعر شخص الطرف وأسند إليه فعل القول ، وجعلهُ كائناً حياً يرحب بمقدمه ويحاوره ، ويصفه بالحبيب المتيم ، وهو بهذا استعارة مكنية . ويقول : أَتَانِـــــي كِتَـــــــــابٌ مِنْـــــكِ فِيـــــهِ تَعَتُّــــــــــبٌ عَلَيَّ وَإِسْرَاعٌ ، هُدِيتِ ، إلَى عَذْلِـــــي فَعَزّيْتُ نَفْسِي ثُمَّ مَالَ بِـــيَ الْهَـــــوىَ ، وَقَبْلِيَ قَادَ الْحُبُّ مَنْ كَانَ ذَا تَبْلِ( ) يتوزع التشخيص على البيتين في أكثر من موضع ، إذ يشخص الكتاب ليكون معاتباً للشاعر ، وأيضاً يشخص الهوى ويجعلهُ يميل نحوه ، أي يجذبه إليه ، ثم يذهب الهوى عقل الشاعر ويسقمهُ . ويقول أيضاً : يَقُولُونَ : إنّي لَسْتُ أصْدُقُكِ الْهَــوَى وَإِنِّـــــــيَ لاَ أَرْعَــــــــــاكِ حِيـــــــــنَ أَغِيــــــــــبُ فَمَا بَالُ طَرْفِــي عَفَّ عَمَّا تَسَاقَطَتْ لَـــــهُ أَعْيُـــــنٌ مِــنْ مَعْشَــرٍ وَقُلُـــــوبُ( ) تتضح الصورة الاستعارية