الآخر المكان المتخيل (الجنة)

Abstract

يعد الآخر المكان المتخيل (الجنة) نسقا شعريا جديدا في شعر صدر الإسلام، وله الحضور الفاعل في دواوين الشعراء ولاسيما شعراء الدعوة الإسلامية، لما في ذلك من ارتباط في الدعوة الى الدين الجديد. ويسعى البحث إلى دراسة الآخر المكان المتخيل (الجنة) وفق الاساليب والسبل التي وظفها الشعراء في خطاب الآخر، ولقد جاء ذلك بتوظيف سبيل العزاء للآخر المرثى ببلوغ الجنة، ثم توظيف سبيل الترغيب لبلوغ الجنة، وسبيل الاعتراف والتسليم ثم اسلوب الدعاء واسلوب التمني، وهذا البحث خطوة أولى باتجاه توضيح دراسة الآخر المكان المتخيل (الجنة)، عسى ان يكون قد حقق قدراً من الفائدة. والله أسال التوفيق والسداد اولاً:- العزاء للآخر المرثي ببلوغ (الجنة) لقد اتخذ شعراء الدعوة الإسلامية سبيل التعزية في الشعر (للآخر/ المرثي) من الشهداء في الحروب والوقائع كافة، وان هذا السبيل الذي اتُخِذَ إنما هو نابع من تعاليم الدين الإسلامي لأن عزاءهم الوحيد هو الفوز بالآخر المتخيل (الجنة). ﭧ ﭨ ﭽ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﭼ(سورة البقرة: ١٥٥ – ١٥٧) فالمسلمون يمتثلون لأوامر الله عز وجل وما نزل على نبينا محمد () . والتعزية الشعرية ((تعني هذه الطريقة أن ينفذ الشاعر من حادثة الموت الفردية التي هو بصددها إلى التفكير في حقيقة الموت والحياة وقد ينتهي به هذا التفكير إلى معان فلسفية عميقة، ومرد هذا كله أن الحياة ظل لا يدوم اذن فليقبلوا الحياة كما هي ليقبلوها على أنها دار زوال وانتقال وليست دار بقاء واستمرار، فكلُّ يلعب دوره ويمضي ولا شيء يدوم))( ) ولقد عمل الشاعر الإسلامي على هذا السبيل في التعزية (للآخر/ المرثي) وكان (الآخر/ المكان المتخيل (الجنة)) هو العزاء الوحيد والامنية المنتظرة. وقال حسان بن ثابت في الآخر المتخيّل (الجنة): فَصَارَ معَ المستشهدين ثوابهُ جِنَانٌ وملتفٌّ الحدائقِ أَخضرُ

وكنا نرى في جعفرٍ من محمدٍ وفاءً وأمراً حازماً حينَ يأمرُ( )

الأبيات يظهر فيها (الآخر/ المتخيل الجنة) ويصور هنا الشاعر المستشهدين ثوابهم (جِنَانٌ وملتفٌّ..)، ويرثى (الآخر/ جعفر () ويمكن ان نجعل حضوره رمزا من رموز المسلمين وله تأثيره في الكثير من الشعراء في عصر صدر الإسلام لاستشهاده في واقعة مؤته، فالحضور جاء من البعد الوجداني والإنساني. وهذه الأبيات فيها سبيل العزاء الذي استخدمه شعراء الدعوة في (الآخر المتخيل (الجنة)) وهذا الآخر اعطى لهذه الأبيات الإلفة والمحبة للمتلقي اتجاه هذه اللفظة واتجاه هذا المكان، فلها أثرها الواضح. وذلك لأن ((الشعر خيال، أو لنقل، مع الرافعي إن الخيال روح الشعر، فذلك قول يجعل الخيال الشعري مرتبطاً في جانب منه بمعطى خارجي، هو الحقيقة، ومرتبطاً في جانبه الآخر بعملية داخلية تتصل بالفكر والنفس معا ونقطة الوصل بين هذين الجانبين هي انعكاس عالم الحس على المخيلة))( ) وما يقصده مصطفى صادق الرافعي من أن الشعر يأتي بالجديد الذي جاء من معطيات مدركة، إذ ان عمل المخيلة اساس في قيام الصورة الشعرية وتوليدها على وفق احساس الشاعر بالمكان الذي هو بصدد وضعه ومن هنا قول حسان بن ثابت في الآخر المتخيَّل (الجنة): فَإنَّ أَباكِ الخير حمزة فاعلمي وزيرُ رسولِ اللهِ خير وَزيرِ

دعاهُ إِلهُ الحق ذو العرش دعوةً إلى جنةٍ يرضى بها وسُرورِ

فذلك مَا كُنَّا نرجي ونرتجي لحمزةَ يوم الحشر خَيرُ مصيرِ( )

وهنا يخاطب الشاعر (أُمامة بنت الحمزة الواقفة عند قبر ابيها) مادحاً اباها بهذهِ الأبيات ويذكر مصيره (الجنة) وهنا يظهر (الآخر المكان المتخيل الجنة ونعيمها) ويصور الشاعر حالة الغبطة للحمزة () لأنهم يتمنون الشهادة في سبيل الله تعالى. وقد جانس الشاعر بين الفعلين المضارعين (نرجي ونرتجي) حتى يزداد المعنى ايحاءَ وتكثيفاً، ويبلغ في العمق التصويري كلَ مبلغ، كما جاء (الآخر/ المتخيل المكان (الجنة))