وقفة بين الأدب والثقافة

Abstract

إنّ أكبر حاجة للإنسان في مجال الأدب والثقافة أن يستكشف ذاته ويسبر شخصيته، فضلا عن دراسة المفاهيم وتصويبها، وإعادة النظر في المصطلحات والكلمات في ضوء الحقائق التي كشفت عنها السنوات، والوثائق التي رفع عنها الستار، والتي تدعو الإنسان المهتم بالأدب والثقافة إلى التعرف على أبعاد الغزو والتغريب، وإلى الصمود أمام الحرب النفسية التي يشنها أعداء التراث وماضيه المجيد، والذي يرمي إلى القضاء على ذاتيتنا وقاعدة نهضتنا ومقومات فكرنا المستقبلية. فإذا كان الأدب والثقافة هما أخطر مجالات الغزو، فإن هذا الميدان هو أكثر الميادين حساسية في المواجهة وأكبرها في فرص المقاومة والصمود، وهذا هو خط الدفاع الفكري الذي يوازي تماماً خط الدفاع العسكري الميداني، بل يتفوق عليه. فعندما جاء نابليون إلى مصر أحضر معه كبار العلماء والأدباء من أهل الاختصاص وطلب منهم أن يقطعوا حاضر الأمة عن ماضيها ليسهل بلعها. أو هكذا ذكر أهل التاريخ ممن اطّلع على ثقافة أهل الغزو والحروب التخريبية التدميرية. إن قضية الغزو الثقافي هي قضية هذا الجيل وهذا العصر، لأنه المحاولة الباقية للقضاء على قوة المقاومة النفسية القادرة دوماً على إعلان الحذر واليقظة إزاء مخططات أعداء التراث المجيد. إن آية الجهاد أن لا تجد موجة التغريب العاصفة الكاسحة، استسلاماً أو قبولاً. ولكن تجد دوماً ميادين المقاومة والصمود فهذه هي خطوط المواجهة الواسعة، والثغور العديدة التي تحشد لها القوى، وتجند لها الأقلام بالمرابطة. لقد بلغنا مرحلة التشبع والامتصاص، ومضى دور التقليد والمتابعة، وبدأ دور الوضوح، والرشد، واكتشاف المزاج النفسي الاجتماعي الأصيل، فلقد كشفت حركة اليقظة، اتصال مخططات الأعداء في الغزو الثقافي، وعملت على ردها، ودحض زيفها وإبراز ذاتية الفكر والتراث المجيد والثقافة العربية وآدابها القادرة على إمداد العرب والمسلمين بأسباب القوة والحركة والتقدم، والصبّ في بوتقة الحضارات والثقافة والإبداع في تطوير الأساليب والمناهج المفضية لخدمة البشرية.